المراسل الآلي
عضو مميز
- المشاركات
- 34,157
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
- الدولة
في إطار سلسلة حلقات برنامج "مراجعات"، التي تستضيف قادة سابقين في تنظيم الإخوان المسلمين ممن قرروا مراجعة أفكارهم وترك التنظيم، استضاف الأكاديمي والباحث والإعلامي ضياء رشوان، الباحث والكاتب سامح عيد، الذي قضى أكثر من عقدين في صفوف التنظيم. في هذه الحلقة، فتح سامح عيد أبواب الذاكرة ليروي تفاصيل رحلته مع الجماعة منذ انضمامه في سن مبكرة حتى لحظة انفصاله عنها.
تعتبر هذه المراجعات حالات فردية في ظاهرها، لكنها تعكس ظاهرة أعم وأشمل تمتد عبر الزمن وتشمل العديد من الأفراد الذين خاضوا تجارب مماثلة. سامح عيد، الذي لم ينتظر حدوث أحداث كبرى ليقرر الخروج من التنظيم، بل انفصل عنها فكريًا وتنظيميًا مبكرًا، يقدم لنا نظرة عميقة ونقدية على هذه الجماعة التي أثرت على حياته وعلى حياة الكثيرين.
من خلال هذه الحلقة، نستعرض مسيرة سامح عيد داخل الجماعة، بدءًا من انضمامه في سن الثانية عشرة وتأثره ببيئته العائلية والاجتماعية، مرورًا بتجاربه في التنظيم وتدرجه في المناصب، وصولاً إلى لحظة الشكوك والانفصال. يتحدث سامح بصراحة عن الأفكار والعقائد التي غرسها التنظيم في أعضائه، وعن التناقضات التي واجهها، وعن تجاربه السلبية بما فيها الاعتقالات والتعذيب.
البداية: هزيمة 1967 والتنشئة الدينية
بدأ سامح عيد رحلته مع تنظيم الإخوان المسلمين في سن مبكرة، في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة شمال غرب الدلتا المصرية. كانت العائلة متوسطة الحال، حيث كان والده موظفًا ووالدته ربة منزل. يقول سامح: "والدي كان اشتراكيًا ويؤمن بأفكار عبد الناصر، لكن صدمة هزيمة 1967 أثرت بشكل كبير على الجميع،". هذه الصدمة فتحت الباب أمام تأثير الشيوخ والدعاة الذين بدأوا يروجون لفكرة أن الهزيمة كانت نتيجة الابتعاد عن الدين.ضياء رشوان
يذكر سامح كيف تأثر والده بهذه الأفكار وحرص على أن يتلقى أبناؤه تعليمًا دينيًا قويًا، فتم إرسالهم إلى الأزهر لحفظ القرآن، وفي نفس الوقت كانوا يتعلمون في المساجد. "كانت الفكرة الشائعة حينها أن الحل لكل مشاكلنا يكمن في العودة إلى الدين"، يضيف سامح. وقد لعبت هذه البيئة الدينية دورًا كبيرًا في تشكيل وعيه وانضمامه لاحقًا إلى جماعة الإخوان المسلمين.
في سن الثانية عشرة، انضم سامح إلى التنظيم بشكل رسمي وبدأ يحضر اجتماعات الأسر التنظيمية، حيث تعرف على أفكار التنظيم ومنهجه. "لم أكن أفهم كل شيء في البداية، لكنهم كانوا ماهرين في جذب الشباب من خلال الأنشطة الترفيهية والرياضية"، يوضح سامح. كان التنظيم يقدم للشباب رحلات ومعسكرات وأنشطة رياضية جعلت الانضمام إليه أمرًا جذابًا وممتعًا.
تأثر سامح كثيرًا بقصص السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي التي كانت تروى في هذه الاجتماعات، خاصة قصة الغلام والساحر والراهب التي كانت تدرس في تفسير سورة البروج. "هذه القصص كانت تزرع فينا أفكار الولاء والطاعة للجماعة والتضحية من أجلها، حتى لو كان ذلك يعني الكذب لحماية الدعوة"، يقول سامح.
سامح عيد
كان سامح يشعر بأن الانضمام إلى التنظيم هو نوع من الدعوة السرية، يشبه دار الأرقم بن أبي الأرقم في مكة، حيث كان يتم تعليم الأعضاء أن الدعوة يجب أن تظل سرية لحمايتها من أعدائها. هذا الإحساس بالسرية والغموض كان يجعل الأعضاء يشعرون بأنهم جزء من شيء أكبر وأهم من حياتهم اليومية.
يصف سامح كيف كان والده يراقب نشاطه في التنظيم بحذر، محاولًا فهم طبيعة هذا التنظيم. "كان والدي يشترى الكتب التي كنت أدرسها في التنظيم ليعرف ماذا أتعلم"، يضيف سامح. ومع ذلك، لم يكن الوالد قادرًا على منع تأثير التنظيم على ابنه، الذي انغمس بشكل كامل في أنشطتها وأفكارها.
من الداخل: انغماس واستعداد للتضحية
في نهاية هذه المرحلة، كان سامح قد أصبح عضوًا فعالًا في التنظيم، مقتنعًا بأفكاره ومبادئه، ومستعدًا للتضحية من أجله. يقول سامح "كنت أشعر بأنني جزء من حركة تغيير كبيرة، وأنني سأكون جزءًا من استعادة مجد الأمة الإسلامية". لكن الرحلة لم تتوقف عند هذا الحد، بل كانت البداية فقط لمرحلة جديدة من التعمق في أفكار الجماعة والتدرج في مناصبها التنظيمية، وصولاً إلى اللحظة التي بدأ فيها يشكك في كل ما تعلمه ويقرر الانفصال عنها.تحدث سامح عن تدرجه في مناصب التنظيم، حيث انتقل من مرحلة العضو العادي إلى الأدوار القيادية داخل التنظيم. يقول سامح "بدأت أتحمل مسؤوليات أكبر داخل التنظيم، وكنت أرى كيف يتم توجيه الأعضاء الشباب وتحفيزهم للانغماس في أنشطة الدعوة". التنظيم كان صارمًا في تقسيم المهام والمسؤوليات، وكانت كل خطوة مدروسة بعناية لضمان استمرارية وتوسع التنظيم.
شعار الإخوان المسلمين
كانت الأنشطة الطلابية أحد أهم مجالات نشاط التنظيم، حيث كان سامح ناشطًا بارزًا في اتحاد الطلاب بمدينة دمنهور. يضيف سامح "كنت أمين اتحاد طلبة المدينة، وكنت أشارك في تنظيم فعاليات دعوية ونشاطات تهدف لجذب الشباب إلى التنظيم". كان التنظيم يستغل كل فرصة للتواجد في الجامعات والمدارس، وتقديم نفسه كبديل للنظام القائم، داعياً إلى الحلول الإسلامية لكل مشاكل المجتمع.
يذكر سامح كيف كان يتم تنظيم دورات رياضية، ومسابقات ثقافية، ومعسكرات صيفية تستمر لأسابيع، مما جعل التنظيم يحظى بشعبية كبيرة بين الشباب. يشرح سامح "كنا نطبع مجلات إسلامية، ونوزعها في المدارس والجامعات، وكانت هناك رحلات منتظمة إلى المعالم الدينية والتاريخية لتعميق الانتماء والوعي الإسلامي لدى الأعضاء".
من الجوانب المهمة في تدرج سامح داخل التنظيم، التربية الفكرية والتدريب على القيادة. يوضح سامح "كنا ندرس كتب فتحي يكن، سعيد حوى، ومحمد أحمد الراشد، والتي كانت تشكل العمود الفقري للفكر الحركي داخل التنظيم". تلك الكتب كانت تهدف إلى إعداد الأعضاء لتولي مسؤوليات أكبر داخل التنظيم، وتعليمهم كيفية العمل في ظل الظروف الصعبة والمعارضة من الأنظمة الحاكمة.
بمرور الوقت، تماهي سامح بشكل كامل مع فكر التنظيم واستراتيجياته. كان يقتنع بفكرة أن الخلافة الإسلامية هي الحل لكل مشاكل الأمة، وأن التنظيم هوالطريق لتحقيق هذا الهدف. يقول "كانت هناك جلسات خاصة تُعقد للأعضاء المتقدمين، يتم فيها مناقشة الخطط والاستراتيجيات على المدى الطويل، وكيفية العمل السري والمنظم لتحقيق أهداف التنظيم".
الالتزام والطاعة كانا من المبادئ الأساسية التي غُرست في نفوس الأعضاء. يقول سامح "كنا نتعلم أن الطاعة للقيادة هي من أسس النجاح، وأن الالتزام بالتعليمات هو الطريق الوحيد لتحقيق الأهداف الكبرى". هذا الالتزام لم يكن مجرد كلام نظري، بل كان يُطبق عمليًا من خلال الأنشطة اليومية والتدريبات المستمرة التي كان يخضع لها الأعضاء.
الانفصال: شكوك رغم التماهي
رغم انغماسه الكامل في أنشطة التنظيم، بدأت الشكوك تتسرب إلى ذهن سامح تدريجيًا. يضيف سامح "بدأت ألاحظ بعض التناقضات بين ما يتم تدريسه وبين ما يُمارس فعليًا، وكنت أجد صعوبة في تبرير بعض التصرفات والمواقف". هذه الشكوك كانت البداية لرحلة جديدة، رحلة البحث عن الحقيقة والانفصال عن التنظيم الذي كان يعتقد أنه يمتلك كل الإجابات.في هذه المرحلة، كان سامح يبدأ في إعادة تقييم كل ما تعلمه وكل ما كان يعتقده، مما قاده في النهاية إلى اتخاذ قرار حاسم بالانفصال عن التنظيم والبدء في حياة جديدة.
في فترة لاحقة، بدأ سامح عيد يكتشف جوانب أكثر عمقًا وتعقيدًا داخل تنظيم الإخوان المسلمين، منها ما يُعرف بـ"التنظيم الخاص". هذا التنظيم كان يعمل بشكل سري تمامًا وكان يضم نخبة مختارة من الأعضاء الذين يتم تدريبهم وتأهيلهم لمهام خاصة. يقول سامح "كنت أعلم بوجود هذا التنظيم، لكني لم أكن أدرك حجم نفوذه وقوته حتى بدأت أرى بأم عيني كيف يتم اختيار وتدريب هؤلاء الأفراد".
الأعضاء في التنظيم الخاص كانوا يخضعون لتدريبات صارمة تشمل اللياقة البدنية، وفنون القتال، واستخدام الأسلحة. يوضح سامح "كانت هناك تدريبات منتظمة في أماكن سرية، وكانت تشمل محاكاة لعمليات اقتحام ومواجهات مسلحة". التنظيم الخاص لم يكن مجرد فكرة، بل كان واقعيًا ويمارس نشاطاته بسرية تامة بعيدًا عن أعين السلطات.
الهدف من التنظيم الخاص كان تحضير نخبة من الأفراد المستعدين لتنفيذ مهام محددة في حال تعرض التنظيم لأي تهديد كبير. يضيف سامح "كان يتم إقناعنا بأن هذه الإجراءات ضرورية لحماية الدعوة وأعضاء التنظيم، وأن استخدام القوة مشروع في مواجهة الظلم والاضطهاد".
ومن أبرز الحوادث التي تُظهر استخدام العنف من قبل التنظيم، كانت حادثة استعراض الأزهر في عام 2006، حيث قام مجموعة أعضاء بتنظيم استعراض عسكري داخل الحرم الجامعي. يقول سامح "كان هذا الحدث صادمًا للكثيرين، لكنه لم يكن مفاجئًا لنا كأعضاء داخل التنظيم، حيث كنا نعلم أن هناك تنظيمًا خاصًا مستعدًا لمثل هذه الأعمال".
تساؤلات: التنظيم الخاص وجماعات العنف
رغم أن الإخوان كانوا دائمًا ينفون علاقتهم بالتنظيمات الإرهابية، إلا أن الواقع كان يحمل جوانب مظلمة. يكشف سامح"التنظيم الخاص كان له علاقات غير مباشرة مع بعض التنظيمات المتطرفة، وكانت هناك تواصلات سرية لا يتم الكشف عنها إلا للأعضاء المقربين"، مشراً إلى أن التنظيم كان يلعب على أكثر من وتر، فيستخدم الدعوة والسلمية كواجهة، بينما يخطط وينفذ في الخفاء.يكشف سامح عن بعض العمليات السرية التي كان التنظيم الخاص ينفذها. يقول سامح: "كان التنظيم ينفذ عمليات اغتيال وتفجير تستهدف شخصيات ومواقع محددة. هذه العمليات كانت تهدف إلى زعزعة استقرار النظام القائم وإظهار القوة". ومن بين هذه العمليات، اغتيال القاضي الخازندار ومحاولة اغتيال جمال عبد الناصر.
بدأت الشكوك تتزايد لدى سامح عندما لاحظ التناقضات بين ما يتم تدريسه للأعضاء الجدد وبين ما يتم فعليًا داخل التنظيم الخاص. يضيف سامح "كنت أجد صعوبة في تبرير هذه التناقضات، وبدأت أرى أن التنظيم لا يختلف كثيرًا عن التنظيمات التي ندعي محاربتها".
يتحدث سامح عن العلاقة المتوترة بين التنظيم الخاص والأنظمة السياسية في مصر. "كانت هناك مواجهات مستمرة بين التنظيم الخاص وأجهزة الأمن. كانت السلطات تحاول دائمًا القضاء على هذا التنظيم، بينما كان التنظيم يعمل على التوسع والانتشار"، يقول سامح. هذه العلاقة المتوترة أدت إلى العديد من المواجهات الدموية والاعتقالات.
بعد أن أمضى أكثر من عقدين من الزمان داخل التنظيم، قرر سامح عيد الانفصال نهائيًا. يقول سامح "كان قرارًا صعبًا، لكني شعرت أني لا أستطيع أن أكون جزءًا من تنظيم يحمل هذه الأفكار ويمارس هذه الأنشطة". الانفصال كان بداية جديدة لحياة سامح، حيث بدأ يكتب وينشر أفكاره منتقدًا التجربة التي مر بها، ساعيًا لنقل الحقيقة إلى الناس.
من خلال تجربته الطويلة، بات سامح يؤمن أن الحلول الحقيقية لمشاكل المجتمع لا تأتي من تنظيمات سرية أو أفكار متطرفة، بل من العمل الشفاف والمخلص من أجل تحسين الأوضاع بطرق سلمية وقانونية. يقول سامح عيد: "تعلمت أن الطريق إلى التغيير الحقيقي يبدأ بالفكر الواعي والعمل الجاد، وليس بالعنف والتطرف".
الفكر القطبي: نصوص مقدسة للأعضاء
تحدث سامح عن التأثير الفكري لسيد قطب، والذي كان حاضرًا بقوة داخل تنظيم الإخوان المسلمين، على الرغم من محاولات البعض إنكار ذلك. يقول سامح "فكر سيد قطب كان يشكل جزءًا كبيرًا من مناهجنا وتوجهاتنا. كانت كتبه تُدرَّس لنا بشكل منتظم، وكان يتم الإشارة إليه كرمز وشهيد للإسلام"، ويضيف كتب قطب، مثل "في ظلال القرآن" و"معالم في الطريق"، كانت تعتبر نصوصًا مقدسة توجه الفكر والسلوك لدى الأعضاء.أحد الجوانب الأكثر تطرفًا في فكر سيد قطب هو مفهوم الجهاد والتكفير، وفقاً لسامح الذي يقول "كانت هناك تعليمات واضحة بضرورة الاستعداد للجهاد واستخدام العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف. كان يتم تعليمنا أن المجتمع الحالي كافر ويجب تغييره بالقوة".
الجيل الجديد من أعضاء الإخوان كان يتأثر بشكل كبير بأفكار سيد قطب، وذلك بسبب التركيز الكبير على تعاليمه في المناهج التربوية، بحسب سامح، الذي يوضح "كنا نقرأ نصوص قطب ونناقشها في جلسات خاصة، وكان يتم تحفيزنا على تطبيق هذه الأفكار في حياتنا اليومية وفي نشاطاتنا داخل التنظيم"، مشيراً إلى أن هذا التأثير لم يكن مقتصرًا على الجوانب الفكرية فقط، بل امتد ليشمل التحضير العملي لاستخدام القوة.
العلاقة بين القيادات العليا والفكر القطبي كانت معقدة وفقاً لسامح، الذي يقول: "بعض القيادات كانت تتبنى فكر قطب بشكل علني، بينما كان البعض الآخر يحاول التظاهر بالاعتدال والابتعاد عن هذه الأفكار".تلك الازدواجية في التعامل مع فكر قطب كانت تسبب الكثير من الارتباك بين الأعضاء. يضيف سامح "كنا نشعر بالتناقض بين ما يُقال لنا في العلن وما يتم تنفيذه في الخفاء".
مع مرور الوقت، بدأ سامح يشعر بأن الفكر القطبي يسيطر بشكل كامل على التنظيم، مما دفعه إلى إعادة تقييم موقفه. يقول سامح "أدركت أن هذا الفكر لا يمكن أن يؤدي إلى أي تغيير إيجابي في المجتمع، بل على العكس، كان يزيد من العنف والتطرف".
بعد انشقاقه، بدأ سامح يواجه الكثير من الانتقادات والهجوم من داخل التنظيم. يوضح سامح "كانوا يعتبرونني خائنًا ومرتدًا، لكني كنت مقتنعًا بأن ما فعلته هو الصواب. كنت أريد أن أظهر للعالم الوجه الحقيقي لهذا التنظيم".
روى سامح عيد كيف أن التأثيرات الأولى لجماعة الإخوان كانت تستند على بناء منظومة فكرية ودينية متكاملة قائلاً "في البداية، كان التنظيم يقدم نفسه كحركة إصلاحية تهدف إلى نشر الإسلام المعتدل وتعزيز القيم الدينية. ولكن مع مرور الوقت، بدأت تتغير هذه الأهداف لتشمل السيطرة السياسية واستخدام العنف كوسيلة لتحقيق الأهداف".
يشير سامح إلى التحول الكبير الذي حدث في فكر التنظيم بعد قراءة أعمال سيد قطب، وخاصة كتابه "معالم في الطريق". يوضح سامح:"سيد قطب أدخل مفاهيم جديدة مثل الحاكمية والتكفير، والتي غيرت مسار التنظيم بشكل جذري. هذه الأفكار دفعت التنظيم نحو مسار أكثر تطرفًا وعنفًا".
تحدث سامح عن التباينات الفكرية داخل التنظيم بين الأعضاء الشباب والقيادات القديمة. يقول سامح"كانت هناك فجوة كبيرة بين الأعضاء الشباب المتحمسين الذين تأثروا بأفكار سيد قطب وبين القيادات القديمة التي كانت تحاول الحفاظ على التوازن والاعتدال. هذه الفجوة أدت إلى صراعات داخلية وانشقاقات".
ويضيف "الكثير من الأعضاء الذين كانوا يعتقدون في البداية أن التنظيم يسعى للإصلاح، اكتشفوا فيما بعد أن هناك توجهات أكثر تطرفًا. هذا أدى إلى خروج الكثيرين وانتقادهم للتنظيم بشكل علني".
تناول سامح دور القيادات في تعزيز هذه التحولات الفكرية داخل التنظيم بقوله: "القيادات كانت تستخدم الخطاب الديني لتبرير التوجهات الجديدة. كانوا يروجون لفكرة أن استخدام العنف هو جزء من الجهاد المشروع وأن السيطرة السياسية هي الهدف الأسمى".
الإخوان - حسن البنا - سر الرقم 11 - خاص الحدث نت
تحدث سامح أيضاً عن تأثير هذه التحولات الفكرية على الأعضاء العاديين مؤكداً "الكثير من الأعضاء كانوا يعانون من الاضطراب النفسي بسبب التناقض بين ما يؤمنون به وما يُطلب منهم فعله. كانوا يشعرون بأنهم في صراع داخلي مستمر بين المبادئ الدينية التي نشأوا عليها وبين الأوامر الجديدة التي تُفرض عليهم".
تجربة السجن: كيف تغيرك الزنزانة إلى الأبد
تحدث سامح عيد عن أول تجربة اعتقال له، والتي كانت بمثابة نقطة تحول في حياته موضحاً "تم اعتقالي للمرة الأولى في أوائل التسعينات، كانت تهمة الانتماء لجماعة محظورة والترويج لأفكارها. كنت في ذلك الوقت شابًا مليئًا بالحماس والإيمان بأهداف التنظيم". ويضيف "لم أكن أعتقد أن هذا الحماس سيقودني إلى السجن، ولكنها كانت تجربة غيرتني للأبد."الحياة داخل السجن كانت صعبة ومليئة بالتحديات وفق سامح، الذي أوضح قائلاً "في البداية، كانت الأوضاع في السجن قاسية للغاية. كنا نعاني من نقص الطعام وسوء المعاملة. ولكن مع مرور الوقت، بدأنا نتكيف مع الوضع ونتعلم كيفية البقاء على قيد الحياة"، مضيفاً" كنا نمر بجلسات استجواب طويلة، لكننا كنا نحاول أن نبقى صامدين ونتمسك بمبادئنا."
يشير سامح إلى أن الحياة داخل السجن كانت مليئة بالتناقضات قائلاً"من جهة، كنا نشعر بالتضامن مع زملائنا في السجن وكنا نتشارك في الأفكار والنقاشات. ولكن من جهة أخرى، كانت هناك خلافات وصراعات داخلية بين الأعضاء حول كيفية التعامل مع الوضع الحالي وأفكار التنظيم".
أوضح سامح كيف أن تجربة السجن دفعته إلى إعادة التفكير في أفكاره ومبادئه قائلاً "كنت أجد نفسي في كثير من الأوقات وحيدًا داخل الزنزانة، وأتساءل عن جدوى كل ما مررت به. هل كان يستحق التضحية؟ هل كانت الأهداف التي نسعى لتحقيقها صحيحة؟"، مضيفاً: "بدأت أشك في الكثير من الأفكار والمبادئ التي تربيت عليها داخل التنظيم".
حسن البنا
بالنسبة لسامح، مثل السجن فرصة للكتابة والتوثيق، موضحاً "بدأت أكتب مذكراتي وأفكاري في السجن، كنت أحاول أن أفهم ما يحدث حولي وأحلل الأحداث بشكل نقدي. الكتابة كانت وسيلة للتعبير عن مشاعري وأفكاري، وكانت تساعدني في الحفاظ على سلامتي النفسية".
وصف سامح لحظة خروجه من السجن وكيف أنها كانت مليئة بالمشاعر المتناقضة مؤكداً "عندما أُفرج عني، كنت أشعر بالحرية ولكن في نفس الوقت كنت أشعر بأنني فقدت الكثير. فقدت سنوات من حياتي، وفقدت إيماني بأفكار كنت أؤمن بها بعمق"، ويضيف "كانت لدي رغبة قوية في بدء حياة جديدة بعيدًا عن الجماعة وكل ما يتعلق بها."
تحدث سامح عن التأثيرات طويلة الأمد لتجربة السجن على حياته قائلاً "تجربة السجن علمتني الكثير عن الحياة وعن نفسي. أصبحت أكثر نقدًا وتحليلًا للأفكار والمعتقدات، وأدركت أهمية الحرية والعدالة". يضيف سامح: "قررت أن أكرس حياتي للكتابة والبحث، وأن أكون صوتًا للتغيير والإصلاح."
الخروج: من الانفصال الفكري للقطيعة التنظيمية
تحدث سامح عيد عن المرحلة الأولى من انفصاله الفكري عن تنظيم الإخوان المسلمين قائلاً: "بدأت أشعر بالشكوك والاضطرابات الفكرية قبل خروجي الفعلي بسنوات. كانت هناك تناقضات كثيرة بين ما كنا ندرسه ونؤمن به وبين ما كنا نمارسه فعليًا"،ويضيف "العديد من الأعضاء بدأوا يشككون في أهداف الجماعة وطريقة عملها، خاصة بعد انخراطها في العنف بشكل متزايد."يوضح سامح كيف أنه بدأ يشعر بعدم الانتماء للجماعة تدريجيًا بقوله "كانت هناك ضغوط كبيرة من القيادة لاتباع أوامر معينة وتنفيذ أعمال قد تتعارض مع قناعاتي الشخصية. كانت هذه الفترة صعبة للغاية، حيث كان يتعين عليّ اتخاذ قرار حاسم"، مؤكداً "في النهاية، قررت أن أقطع علاقاتي التنظيمية بالإخوان، وأبتعد عن أي نشاط متعلق بهم".
تحدث سامح التحديات والصعوبات التي واجهها خلال عملية الخروج من الجماعة موضحاً "الخروج من جماعة منظمة ومهيكلة ليس بالأمر السهل. كان هناك ضغوط كبيرة من الأصدقاء والأقارب الذين كانوا ما زالوا مؤمنين بأفكار التنظيم"، ويضيف:"كنت أتعرض للتهديدات والمضايقات، ولكنني كنت مصممًا على متابعة قراري."
يشرح سامح كيف أنه بدأ في البحث عن هويته الخاصة بعد خروجه من التنظيم موضحاً "بدأت في قراءة الكتب التي لم أكن أجرؤ على قراءتها من قبل، وشاركت في ندوات ومؤتمرات تتناول مواضيع متنوعة. كنت أحاول فهم العالم من منظور مختلف"، ويضيف: "هذا البحث عن الذات كان بمثابة رحلة جديدة لي، حيث بدأت أكتشف أفكارًا ومفاهيم جديدة."
أكمل سامح الحديث عن كيف أن الكتابة كانت وسيلة له للتعبير عن أفكاره ومشاعره قائلاً "بدأت أكتب عن تجربتي داخل التنظيم وكيف تأثرت بها. كانت الكتابة وسيلة للتفريغ النفسي والتعبير عن الأمور التي كنت أعيشها"، يقول سامح. "نشرت مقالات ودراسات حول تنظيم الإخوان وتاريخه وأفكاره، محاولًا تقديم صورة واقعية وحقيقية عن تجربتي."
تحدث سامح عن التأثيرات الإيجابية لخروجه من التنظيم على المجتمع المحيط به قائلاً: "بدأ الناس ينظرون إليّ كقدوة، كوني خرجت من تنظيم متطرف وتبنيت أفكارًا إصلاحية. هذا شجع الكثيرين على إعادة التفكير في معتقداتهم والتساؤل حول الأمور التي يعتبرونها بديهية".
سيد قطب
خلال حديثه، أكد سامح على أن رحلته لم تنته بعد موضحاً "خروجي من التنظيم كان بداية لرحلة جديدة، رحلة مستمرة للبحث عن الحقيقة والإصلاح. أنا ملتزم بأن أكون صوتًا للتغيير الإيجابي في المجتمع، وأدعو الجميع للمشاركة في هذه الرحلة".
إلى العلن: تجربة سامح عيد الإعلامية
بعد خروجه من التنظيم، قرر سامح عيد أن يستخدم الإعلام كمنصة لنشر أفكاره وتجربته الشخصية، مؤكداً "الإعلام كان وسيلة قوية بالنسبة لي للتواصل مع جمهور واسع، وشرح ما مررت به وما اكتشفته عن تنظيم الإخوان المسلمين"، ويضيف: "ظهوري في البرامج التلفزيونية والمقابلات كان جزءًا من استراتيجيتي لنقل رسالة التوعية والإصلاح."لم يكن الظهور الإعلامي بدون تحديات وفق سامح، الذي يشرح "تلقيت الكثير من الانتقادات والهجمات الشخصية من أنصار التنظيم وأيضًا من بعض العامة الذين لم يكونوا مستعدين لسماع الحقيقة"، يوضح سامح. "كان يجب أن أكون مستعدًا للرد بحكمة وصبر، وأن أوضح مواقفي بشكل واضح ومنطقي."
تحدث سامح عن التأثير الإيجابي لظهوره الإعلامي على الجمهور قائلاً "لاحظت أن الكثير من الناس بدأوا في إعادة التفكير في أفكارهم ومواقفهم بعد مشاهدتهم لمقابلاتي وقراءتهم لمقالاتي"، ويوضح "كانت هناك ردود فعل إيجابية وتشجيعية من العديد من الأفراد الذين شعروا بالإلهام من تجربتي."
لم يقتصر تأثير سامح على الإعلام التقليدي فقط، بل استخدم أيضًا وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى جمهور أوسع بقوله "وسائل التواصل الاجتماعي كانت وسيلة فعالة للتفاعل المباشر مع الجمهور وتبادل الأفكار والمناقشات"، مشيراً "كنت أستخدم هذه المنصات لنشر مقالاتي وفيديوهاتي، وأيضًا للرد على الأسئلة والاستفسارات من المتابعين."
وكشف سامح عن مشاركته في تعليم وتدريب الآخرين على استخدام الإعلام بشكل فعال بعد الخروج من التنظيم قائلاً:"بدأت في تقديم ورش عمل ودورات تدريبية حول كيفية استخدام الإعلام لنشر التوعية والإصلاح. كان من المهم أن أشارك معرفتي وخبرتي مع الآخرين ليستطيعوا هم أيضًا أن يصبحوا أصواتًا للتغيير".
مستقبل التنظيم: تفكك داخلي وفقدان ثقة
أوضح سامح عيد أن تنظيم الإخوان المسلمين يواجه تفككاً داخلياً منذ فترة طويلة قائلاً "التنظيم يعاني من انقسامات داخلية عديدة، والعديد من الأعضاء يشعرون بالإحباط والاستياء من القيادة"، ويضيف "هذا التفكك ليس فقط على المستوى التنظيمي، بل أيضاً على المستوى الفكري، حيث هناك خلافات كبيرة حول الأيديولوجيا والاستراتيجيات."تحدث سامح أيضاً عن فقدان الثقة بين أعضاء التنظيم والقيادة مؤكداً "الكثير من الأعضاء يشعرون بأن القيادة لا تستمع إليهم ولا تهتم بمصالحهم الحقيقية"، ويتابع "هذا الشعور بفقدان الثقة يؤثر بشكل كبير على تماسك التنظيم وقدرته على العمل بفعالية."
التحديات التي يواجهها التنظيم ليست داخلية فقط، وفق سامح، بل هناك أيضاً تحديات خارجية كبيرة، يوضحها قائلاً "التنظيم يواجه ضغوطاً كبيرة من الحكومات والمجتمعات الدولية، وهذا يجعل من الصعب عليه العمل بحرية وتحقيق أهدافها"، ويستكمل:"هذه الضغوط تزيد من عزلة التنظيم ويضعف قدرته على التأثير في المشهد السياسي والاجتماعي."
أكد سامح على أهمية الإصلاح الداخلي في التنظيم إذا أراد البقاء موضحاً: "التنظيم بحاجة إلى إصلاحات جذرية ليستعيد ثقة أعضائه ويتمكن من مواكبة التحديات الحالية"، ويستكمل "هذه الإصلاحات يجب أن تشمل تغييراً في القيادة، وتبني سياسات أكثر شفافية وديمقراطية."
وأشار سامح إلى أن التنظيم بحاجة إلى إعادة النظر في هويته وأهدافه مؤكداً "الإخوان بحاجة إلى تحديد هوية جديدة تتماشى مع العصر الحالي ومتطلبات المجتمع"، ويضيف: "يجب أن يكون هناك تركيز أكبر على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، بدلاً من الانشغال بالسياسة بشكل حصري."
كما يعتبر سامح أن التفاعل الإيجابي مع المجتمع هو مفتاح نجاح أي تنظيم، موضحاً "على الإخوان أن يكونوا جزءاً من الحلول وليس جزءاً من المشاكل. يجب أن يتفاعلوا مع المجتمع بشكل بناء ويساهموا في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية"، ويضيف"الشباب هم العمود الفقري لأي حركة، ويجب على الإخوان أن يستمعوا إلى أفكارهم ويعطوهم الفرصة للقيادة".
إعادة تأهيل: مسار الأعضاء المنشقين
يشير سامح عيد إلى أن إعادة تأهيل الأعضاء المنشقين من تنظيم الإخوان المسلمين يجب أن تكون عملية مستمرة ودائمة مؤكداً "إعادة التأهيل ليست مجرد خطوة واحدة، بل هي سلسلة من الخطوات التي تتطلب وقتًا وجهودًا مكثفة" ويضيف: "الأعضاء الذين انشقوا عن التنظيم بحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي ليتمكنوا من العودة إلى حياتهم الطبيعية والمساهمة في المجتمع بشكل إيجابي."يشدد سامح على أهمية توفير الدعم النفسي والاجتماعي للمنشقين قائلاً "العديد من الأعضاء المنشقين يعانون من صدمات نفسية بسبب تجاربهم داخل التنظيم. يجب أن يكون هناك برامج دعم نفسي لمساعدتهم على التغلب على هذه الصدمات"، ويتابع: "بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك دعم اجتماعي لمساعدتهم على إعادة بناء حياتهم والاندماج في المجتمع."
واعتبر سامح التوعية والتعليم جزءًا أساسيًا من عملية إعادة التأهيل قائلاً "المنشقون بحاجة إلى فهم أعمق للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلادهم. التعليم يمكن أن يساعدهم على تطوير مهارات جديدة وفهم أفضل للمجتمع"، مشدداَ على ضرورة بناء شبكات دعم للمنشقين تتكون من أفراد ومنظمات المجتمع المدني، وأفراد من العائلة والأصدقاء.
يؤكد سامح على الدور الحيوي الذي يجب أن تلعبه الحكومة والمجتمع في إعادة تأهيل الأعضاء المنشقين قائلاً "الحكومة يجب أن توفر البرامج اللازمة لإعادة التأهيل وتدعم المبادرات التي تهدف إلى مساعدة المنشقين على الاندماج في المجتمع"، ويضيف "المجتمع أيضًا يجب أن يكون متقبلًا وداعمًا للمنشقين، وأن يساعدهم على الشعور بأنهم جزء من المجتمع وليسوا منعزلين عنه."
المصدر: https://www.alarabiya.net/arab-and-...ان-الوحيدة-للاصلاح-الداخلي-والخروج-من-العزلة-