المراسل الآلي
عضو مميز
- المشاركات
- 34,115
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
- الدولة
في إطار سلسلة "مراجعات" التي تُعرض عبر شاشة "العربية"، يواصل الباحث الأكاديمي والسياسي والإعلامي ضياء رشوان، في تقديم تجارب فريدة ومؤثرة لأشخاص اختاروا ترك تنظيم "الإخوان المسلمين" بعد سنوات طويلة من الانخراط في صفوفه.
في هذه الحلقة، كان الضيف هو المستشار القانوني عاطف جلال، والذي يحمل شهادة الحقوق وماجستير في القانون، ويعمل حاليًا على نيل درجة الدكتوراه، ويملك تجربة فكرية وتنظيمية عميقة داخل تنظيم "الإخوان المسلمين".
البداية: من المدينة الجامعية
في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، كان الشاب عاطف جلال يلتحق بجامعة عين شمس لدراسة الحقوق. كانت تلك الفترة فترة تحول مهمة في حياته، ليس فقط على المستوى الأكاديمي، بل على المستوى الفكري والاجتماعي أيضًا. كأي شاب مغترب يترك موطنه الأصلي في السويس للانتقال إلى القاهرة، كان عاطف يبحث عن الانتماء والصداقات الجديدة. وكما يحدث مع كثير من الشباب في تلك المرحلة، وجد عاطف نفسه محاطًا بأشخاص ينتمون لتنظيم "الإخوان المسلمين".يقول عاطف في حديثه عن تلك الفترة: "لم أكن أعرف شيئًا عن تنظيم "الإخوان المسلمين" عندما التحقت بالجامعة. كنت شابًا يبحث عن صداقات جديدة في بيئة غريبة عني. أذكر أنني كنت في المدينة الجامعية، وهناك تعرفت على مجموعة من الزملاء الذين كانوا يترددون على غرفتي. كانوا دائمًا يتحدثون عن الدين وعن ضرورة الالتزام. لم أكن مهتمًا في البداية، لكنهم كانوا ودودين بشكل لا يمكن مقاومته. وهكذا بدأت أنضم إليهم شيئًا فشيئًا."
لم يكن الانضمام إلى تنظيم "الإخوان المسلمين" قرارًا اتخذه عاطف في لحظة واحدة. بل كان عملية تدريجية بدأت بتكوين صداقات وانتهت بالانغماس في الأنشطة الدعوية والتنظيمية. كانت الجماعة ذكية في كيفية جذب الأعضاء الجدد، وفقاً لعاطف، حيث لم تكن هناك دعوات مباشرة للانضمام في البداية، بل كانت هناك دعوة إلى الأنشطة الاجتماعية والدينية، مثل قراءة القرآن معًا، وحضور محاضرات دينية.
يسترجع عاطف تلك الفترة قائلاً: "لم أكن أدرك في البداية أنني أخطو أولى خطواتي نحو الانضمام لتنظيم الإخوان. كانت الأمور تبدو طبيعية جدًا. كنا نتجمع في غرفة أحد الزملاء لنقرأ القرآن ونتحدث عن الدين. كان الحديث دائمًا مريحًا ومشجعًا".
ويضيف: "لم يكن هناك ضغط، بل كانت الأمور تسير بطبيعتها. ثم بدأوا يتحدثون عن الدعوة الفردية، وعن أهمية الانضمام إلى جماعة تعمل من أجل الإسلام. وبعد حوالي سنة من هذه اللقاءات، أخبروني أنهم أعضاء في تنظيم "الإخوان المسلمين"، ودعوني للانضمام إلى أنشطتهم الدعوية. لم أستطع الرفض، فقد كنت قد ارتبطت بهم عاطفيًا وفكريًا."
مع مرور الوقت، أصبح عاطف جزءًا لا يتجزأ من تنظيم الإخوان في الجامعة. بدأ في المشاركة بانتظام في الأنشطة الدعوية، والانضمام إلى الأسر التنظيمية التي كانت تشكل العمود الفقري للتنظيم داخل الجامعات المصرية. كانت تلك الأسر تضم مجموعات صغيرة من الطلاب، يقودهم نقيب يوجههم في دراسة المواد الإسلامية ويشرف على أنشطتهم.
يقول عاطف: "كانت الأسر التنظيمية تمثل جزءًا هامًا من حياتي الجامعية. كنا نلتقي مرتين في الأسبوع، نتدارس القرآن والسيرة، ونناقش أمور الدعوة. كنت مسؤولاً في بعض الأحيان عن إدارة الجلسات، خاصة فيما يتعلق بالمسائل القانونية، بحكم دراستي للحقوق. كانت تلك الفترة تشكل جزءًا كبيرًا من هويتي الفكرية والتنظيمية. شعرت أنني جزء من كيان كبير يعمل من أجل هدف نبيل، وهذا ما دفعني للاستمرار والانخراط بعمق في الأنشطة التنظيمية."
من الداخل: صوت الإسلام في الجامعة
بعد أن أصبح عضوًا في تنظيم الإخوان المسلمين، وجد عاطف جلال نفسه داخل منظومة متكاملة لها هيكل تنظيمي صارم وبرنامج تربوي محكم. لم يكن الأمر يتعلق فقط بالأنشطة الدينية أو الدعوية، بل كان هناك نظام صارم يتم اتباعه، حيث يتم تنظيم الأعضاء في مجموعات تسمى "الأسر"، وكل أسرة لها نقيب يشرف على نشاطها. كانت الأسرة تعقد اجتماعات دورية لمناقشة المواد الدينية، وتحليل الأحداث السياسية من منظور الجماعة، وتعليم الأعضاء كيفية إدارة الأنشطة الدعوية.يقول عاطف عن تلك الفترة: "كان الانضمام لتنظيم الإخوان أشبه بالانضمام إلى نظام تربوي صارم. كانت هناك برامج محددة للتربية، تبدأ بحفظ القرآن الكريم ودراسة السيرة النبوية، ثم تتطور لتشمل دراسة رسائل حسن البنا وكتابات سيد قطب. لم يكن الأمر مقتصرًا على التعليم الديني فقط، بل كان هناك تأكيد على ضرورة التزامنا الكامل بتعليمات القيادة التنظيمية وتنفيذها بحذافيرها."
مع مرور الوقت، بدأ عاطف ينخرط في الأنشطة الدعوية والسياسية داخل الجامعة وخارجها. كانت هذه الأنشطة تتنوع بين الدعوة إلى الصلاة والالتزام الديني داخل الحرم الجامعي، وتنظيم المظاهرات والوقفات الاحتجاجية ضد سياسات الحكومة. كان الجماعة يعتبر نفسه الصوت الإسلامي الأبرز في الجامعة، ويسعى بكل ما أوتي من قوة للتأثير على الطلاب وإقناعهم بأفكاره.
يتحدث عاطف عن هذه الأنشطة قائلاً: "كنا نقوم بتنظيم العديد من الأنشطة داخل الجامعة، من رحلات دعوية إلى تنظيم وقفات احتجاجية ضد ما كنا نراه مخالفًا للشريعة. كنت أشعر بالفخر حينها، لأنني كنت جزءًا من جماعة قوية لها تأثير كبير على الساحة الجامعية. لم يكن هناك مجال للشك في صواب ما نقوم به، كنا نعتقد أننا على حق وأن كل ما نقوم به هو من أجل الإسلام."
شعار الإخوان المسلمين
كان التواجد داخل تنظيم الإخوان يشكل فرصة فريدة للنمو الفكري لعاطف جلال. فقد وجد نفسه في محيط مليء بالنقاشات الفكرية العميقة، حيث كانت الكتب والنصوص الدينية تُدرس بشكل منهجي، وكان هناك تأكيد على أهمية فهم الإسلام ليس فقط كدين، بل كمنهج حياة شامل يغطي جميع جوانب الحياة. كان ذلك يتطلب من الأعضاء دراسة كتب حسن البنا وسيد قطب بتمعن، واستخلاص العبر والدروس من كل نص.
يروي عاطف: "لم يكن الأمر مجرد تلقين، بل كان تعليمًا مبنيًا على النقاش والتفاعل. كنا ندرس رسائل حسن البنا ونحاول تطبيقها على حياتنا اليومية. كانت هناك حلقات نقاش حول مفاهيم مثل الحاكمية والجاهلية التي طرحها سيد قطب. لم أكن أتفق دائمًا مع كل ما يُطرح، لكنني كنت أشعر أنني أتلقى تعليمًا حقيقيًا يغذي عقلي وروحي. كانت تلك الفترة هي التي شكلت معظم أفكاري السياسية والدينية."
تحولات: بداية الخلافات
مع مرور الوقت، بدأ عاطف جلال يشعر بالتململ من بعض الممارسات الداخلية داخل تنظيم "الإخوان المسلمين". لم يكن الأمر متعلقًا فقط بالخلافات الفكرية، بل كان هناك شعور متزايد بأن التنظيم ينحرف عن مبادئه الأصلية لصالح تحقيق طموحات شخصية لبعض أعضائها. كان عاطف يرى أن التركيز أصبح أكثر على الصعود إلى المناصب والنفوذ بدلاً من الدعوة الصافية التي كانت تشغل باله في البداية.يقول عاطف: "بدأت أشعر بأن هناك شيئًا غير صحيح يحدث داخل التنظيم. لم يعد الهدف الرئيسي هو الدعوة إلى الله، بل أصبحت هناك صراعات داخلية على المناصب والسلطة". ويضيف: "كنت أرى أشخاصًا يسعون لتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب مبادئ التنظيم. هذا الأمر بدأ يزعجني كثيرًا ويجعلني أعيد التفكير في كل ما كنت أؤمن به."
كان التحول الكبير في حياة عاطف جلال داخل التنظيم مرتبطًا بشكل وثيق بتجربته في نقابة المحامين. كانت انتخابات نقابة المحامين في ذلك الوقت محطة مهمة كشفت له عن الوجه الآخر للتنظيم. كان هناك خلاف كبير حول ترشيح أحد أعضاء التنظيم لمنصب نقيب المحامين، وهو أمر لم يوافق عليه عاطف بشدة، حيث رأى أن هذا الشخص غير مؤهل لهذا المنصب وأن اختياره كان مدفوعًا بطموحات شخصية أكثر من كونه يصب في مصلحة التنظيم أو المهنة.
يتذكر عاطف تلك الفترة قائلاً: "كانت تلك الانتخابات نقطة تحول حقيقية بالنسبة لي. لقد اعترضت بشدة على ترشيح أحد الزملاء لمنصب نقيب المحامين لأنه ببساطة لم يكن مؤهلاً لهذا المنصب. كان الأمر واضحًا بالنسبة لي أن هذا الترشيح كان لأسباب شخصية بحتة. عندما عبرت عن رأيي، وجدت نفسي في مواجهة مع قيادات التنظيم التي كانت مصممة على المضي قدمًا في هذا الترشيح بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى. هنا أدركت أنني لم أعد أستطيع الاستمرار في هذا الطريق."
كان كل ما حدث في نقابة المحامين مجرد بداية لتحول فكري أعمق. بدأ عاطف ينظر إلى تنظيم الإخوان بنظرة نقدية أكثر، وأصبح يدرك أن التنظيم الذي انضم إليها في بداية شبابه لم يعد يمثل الأفكار والمبادئ التي كان يؤمن بها.
يقول عاطف عن هذه المرحلة: "لم يكن الأمر سهلاً. كنت قد قضيت سنوات طويلة داخل التنظيم، وكنت أعتبر نفسي جزءًا منها. لكن عندما بدأت أرى كيف أن الأمور بدأت تأخذ منحى مختلفًا، وأصبحت المصالح الشخصية تتغلب على كل شيء، قررت أن أبدأ في مراجعة أفكاري".
الخروج: طريق اللاعودة
بعد سنوات من الانخراط العميق في تنظيم "الإخوان المسلمين"، وبعد أن وصلت الخلافات الداخلية إلى حد لم يعد يُحتمل بالنسبة له، اتخذ عاطف جلال قراره النهائي. لم يكن القرار سهلاً، فقد كان يعلم جيدًا أنه سيتعرض لضغوط هائلة من قبل رفاقه السابقين، وربما أيضًا لمحاولات من جانبهم لإثنائه عن قراره. لكنه كان قد وصل إلى نقطة اللاعودة، حيث شعر أن بقاءه في التنظيم يعني التخلي عن مبادئه الحقيقية.يصف عاطف لحظة اتخاذ القرار قائلاً: "لقد وصلت إلى مرحلة لم أعد فيها أستطيع أن أعيش في تناقض بين ما كنت أؤمن به وما كنت أراه يحدث داخل التنظيم. كنت أعلم أن القرار سيكلفني الكثير، خاصة على الصعيد الشخصي، لكنني كنت على استعداد لتحمل هذه التبعات. خرجت من التنظيم بإرادتي، وقلت لنفسي أن هذا هو القرار الصحيح بالنسبة لي ولحياتي."
بعد خروجه ، لم يكن الأمر سهلاً بالنسبة لعاطف جلال. فقد واجه هجمات شخصية ومضايقات من قبل أعضاء التنظيم الذين كانوا يعتبرونه خائنًا لمبادئهم. كانت تلك الفترة مليئة بالتحديات، حيث وجد نفسه وحيدًا في مواجهة حملة تشويه سمعته ومحاولات لعرقلة مسيرته المهنية. لم يكن الأمر مقتصرًا على الكلمات فقط، بل تعرض لضغوط من جميع الجهات لإعادته إلى التنظيم أو على الأقل لثنيه عن مواقفه العلنية المنتقدة لها.
يتحدث عاطف عن تلك الفترة: "بعد أن خرجت من التنظيم، تعرضت لهجوم شرس من بعض أعضائها. كانوا يحاولون تشويه سمعتي والضغط عليّ بطرق مختلفة. شعرت بالعزلة في كثير من الأحيان، لكنني كنت مقتنعًا بأنني اتخذت القرار الصحيح. لم يكن بإمكاني أن أستمر في مكان لم أعد أؤمن به."
بعد خروجه من التنظيم، بدأ عاطف جلال يتحدث علنًا عن الأسباب التي دفعته لاتخاذ هذا القرار. لم يكن نقده مقتصرًا على تجربته الشخصية، بل كان يوجه انتقادات واسعة لسياسات التنظيم وللتحولات التي شهدتها بعد ثورة يناير. كان يرى أن التنظيم انحرف عن مساره الدعوي وتحول إلى كيان سياسي يسعى للسلطة بأي ثمن، وهو ما أدى في النهاية إلى تدميرها من الداخل والخارج.
يقول عاطف: "لقد كان تنظيم الإخوان في البداية حركة دعوية تهدف إلى إصلاح المجتمع، لكن مع مرور الوقت تحولت إلى حركة سياسية تسعى للسيطرة على الحكم".
ويختتم:"هذا التحول كان خطأً فادحًا أدى في النهاية إلى تدمير التنظيم. لم يعد هناك مكان للمبادئ التي كنا نؤمن بها، بل أصبح التنظيم مجرد وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ضيقة."
المصدر: https://www.alarabiya.net/arab-and-...قال-الاخوان-من-الدعوة-الصافية-للبحث-عن-النفوذ