ما الجديد
منتدى الصحراء للدفاع و الأمن

سجل حسابًا مجانيًا اليوم لتصبح عضوًا! بمجرد تسجيل الدخول، ستتمكن من المشاركة في هذا الموقع عن طريق إضافة مواضيعك ومنشوراتك الخاصة، بالإضافة إلى التواصل مع الأعضاء الآخرين من خلال صندوق الوارد الخاص بك

مقالة مباني الخرطوم الأثرية.. ذاكرة تُسرق ومعالم تذوب تحت نار الحرب

المراسل الآلي

عضو مميز
المشاركات
63,912
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الدولة
مصر
837eccf8-70eb-41e7-a74f-74e9e98950f9_16x9_1200x676.jpg

837eccf8-70eb-41e7-a74f-74e9e98950f9_16x9_1200x676.jpg

لم تكن الحرب في السودان مجرد صراعٍ مسلح بين طرفين، بل كانت زلزالاً اجتاح ذاكرة مدينة بأكملها. الخرطوم، التي لطالما تميزت بمعالمها وشواهدها التاريخية، صارت اليوم مدينة تغرق في رماد الماضي. هنا، لم تُقتل الأرواح فقط، بل سُحقت الهوية، واحترق التاريخ في صمت. مبانٍ كانت تسرد حكاية أمة أضحت أطلالاً بلا ملامح، ومع كل معلم يتهاوى، تزداد الخشية من أن تغيب الخرطوم عن الذاكرة.
منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، لم تكتفِ نيران الصراع في السودان بحصد الأرواح وتشريد الملايين، بل امتدت لتلتهم ذاكرة البلاد ومعالمها التي شكّلت وجدان أجيال من السودانيين. في الخرطوم، العاصمة التي كانت تزهو بتراثها وتاريخها المعماري، تتساقط المعالم واحداً تلو الآخر. آخرها مبنى "الحقّانية" العريق، الذي لم يصمد أمام ألسنة اللهب، كما لم تصمد من قبله رموز أخرى كالمتحف القومي والقصر الجمهوري وجامعة الخرطوم. ويبدو أن تراث العاصمة في طريقه إلى الزوال، ما لم تُتخذ خطوات عاجلة لحمايته من الفناء.

مبنى "الحقّانية".. آخر الشهود على العدالة​

شُيّد مبنى "الحقّانية" في العام 1908 ليكون شاهداً على تاريخ طويل من العدالة والمؤسسات القانونية في السودان. كان رمزاً للقانون ومنارة للفكر القضائي وواجهة معمارية تحكي فصلاً من تاريخ الخرطوم السياسي والإداري. لكن المبنى، كغيره من المعالم التي وقعت في مناطق الاشتباكات، لم ينجُ من الدمار، فبات مجرد هيكل محترق يختزل انهيار دولة ومؤسساتها.
أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب

أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب

كيف جُرِّدت الخرطوم من معالمها؟​

عن هذا السؤال، تحدثت لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت" الدكتورة بسلم القارح، كبيرة أمناء المتاحف في هيئة الآثار والمتاحف السودانية، مشيرةً إلى أن التدمير الذي طال معالم الخرطوم اتخذ عدة أوجه:
-الدمار المباشر بفعل الاشتباكات، فهناك العديد من المباني التاريخية وُجدت في مناطق تماس عسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما أدى إلى تضررها نتيجة القصف أو القتال المباشر.
-الحرق والنهب المتعمد، حيث اقتُحمت مبانٍ تراثية وثقافية وسُرقت محتوياتها، وأُحرقت عمداً في بعض الحالات. كما استُخدم بعضها كمقرات وثكنات عسكرية أو مخازن سلاح، ما أدى إلى تفاقم حجم الضرر.
-غياب الحماية والرقابة، حيث إن تدهور الوضع الأمني وغياب سلطة الدولة فتحا المجال أمام الفوضى، من دون وجود أي جهة قادرة على حماية هذه المواقع أو إنقاذها.
أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب

أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب

شهادات من قلب الخرطوم​

"كنت أذهب من حين إلى آخر إلى المتحف القومي مع أطفالي، ليشاهدوا تاريخ بلادهم بأعينهم. كان المكان يعج بالحياة، ويغمره شعور بالفخر. اليوم، لا أستطيع حتى المرور بجانبه، وكل ما بقي هو ذكرى، صورٌ في الذاكرة لا أكثر"، يقول لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت" عبدالله موسى، أحد سكان الخرطوم الذي فقد أحبّاءه ومقتنياته الشخصية أثناء الحرب.
أما فاطمة الزهراء، وهي معلمة تاريخ في إحدى المدارس الثانوية، فتقول لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت": "كنت أروي لطلابي قصصاً عن تاريخنا العريق، عن الآثار التي لا تُقدّر بثمن. الآن، لم يعد لدي ما أقدمه لهم سوى الحزن. كيف سأشرح لهم تاريخنا إذا كان ما بقي منه قد دُمّر؟ أنا حزينة على مستقبلنا الذي أصبح ضبابياً بسبب ما فقدناه".
وفي السياق ذاته تقول سعاد مصطفى، من سكان حي الشهداء بأم درمان: "في طفولتي، كنت أحب الذهاب مع عائلتي إلى بيت الخليفة" في كل مناسبة. كنا نمرّ من أمامه، نشعر بالفخر لكوننا جزءًا من هذا التاريخ. اليوم، أتساءل كيف ستكبر أجيال جديدة من دون أن تعرف تاريخها، من دون أن ترى تلك المباني التي كانت رمزاً لعراقة بلدهم".
ويضيف مصطفى عبد الرحمن، صاحب متجر صغير في وسط الخرطوم: "كل يوم، أذهب إلى السوق العربية التي كنت أعمل فيها. كنت أفتخر بوجودها في قلب العاصمة. ولكن اليوم، بعدما دُمر كل شيء، لا أستطيع سوى السير وسط الأنقاض، وبقايا الحريق، ولا أجد في قلبي سوى الألم والخذلان".
أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب

أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب

أبرز المعالم التي طالتها الحرب​

-المتحف القومي السوداني، الذي يُعد من أعرق المتاحف في إفريقيا، ويحتوي على كنوز فرعونية ومروية ونوبية ثمينة جداً.
-متحف القصر الجمهوري، الذي يضم مقتنيات تعكس تاريخ الحكم في السودان منذ الاستعمار وحتى اليوم.
-متحف السودان الإثنوغرافي، الذي يعرض تنوّع الثقافات السودانية ويقدّم مشهداً بانورامياً غنياً للهوية الوطنية.
بالإضافة لبيت الخليفة في أم درمان، دار الوثائق القومية، متحف التاريخ الطبيعي، والحديقة النباتية، التي نالت أيضاً نصيبها من الخراب أو الإهمال أو النهب كما تؤكد القارح لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت".
أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب

أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب

جهود توثيق وسط الفوضى​

ورغم فداحة الخسائر، فإن بعض الجهود الفردية لموظفين في الهيئة العامة للآثار والمتاحف، إضافة إلى منظمات دولية كـ"اليونسكو" و"إيكروم"، بدأت بمحاولات توثيق الأضرار. لكن، بحسب الدكتورة القارح، فإن تلك الجهود تجري "بصعوبة شديدة وسط انهيار الوضع الأمني وغياب التنسيق الرسمي".
وأضافت لـ"العربية.نت" و"الحدث.نت" أنه، في محاولة لاحتواء الكارثة، شُكّلت لجان متخصصة لحصر الخسائر، خاصة بالمتحف القومي، بدعم من خبراء من داخل السودان ومن خبراء عاملين في القاهرة. كما تم تكوين لجان لحصر أضرار متحف بيت الخليفة ومتحف الجزيرة في مدينة ود مدني". كما تتولى لجنة طوارئ الآثار التي أُنشئت بالقاهرة مهمة التنسيق والإشراف، إذ تعمل كحلقة وصل بين إدارة الهيئة في الداخل والجهات الدولية، ضمن محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من التراث السوداني.

تراث على حافة النسيان​

ما يحدث اليوم في الخرطوم ليس مجرد تدمير لبنايات من الطوب والحجر، بل هو محوٌ لذاكرة أمة، وجريمة في حقّ التاريخ والثقافة. وبينما ينشغل العالم بالحرب وأبعادها السياسية والإنسانية، يمرّ انهيار الإرث الحضاري بصمت، من دون أن يجد صدى يتناسب مع حجم الكارثة.
أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب

من 3
  • أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب
  • أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب
  • أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب
(3 صور)
أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب
أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب
أحد معالم الخرطوم الذي تضرر بشكل كبير بسبب الحرب

المصدر: https://www.alarabiya.net/arab-and-...لأثرية-ذاكرة-تُسرق-ومعالم-تذوب-تحت-نار-الحرب-
 
عودة
أعلى