المراسل الآلي
عضو مميز
- المشاركات
- 61,600
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
- الدولة
في قلب دارفور، تقبع مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور تحت وطأة الحصار، لتتحول من مركز حضاري وسياسي عريق إلى مدينة منكوبة تتآكلها المجاعة والمرض.
فالمدينة التي كانت يوماً عاصمة سلطنة، تعيش اليوم على شفا الانهيار، وسط تقارير أممية تشير لانهيار شبه كامل للنظام الصحي، ونزوح جماعي وجوع. إذ أكدت المتحدّثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شامدساني أمس مقتل 148 شخصا في الفاشر، مضيفة أن هذا العدد أقل بكثير من الواقع.
كما لفتت إلى أن "مصادر موثوقة أفادت بمقتل أكثر من 400 شخص".
فقد بات الفاشر معزولة في ظل غياب الممرات الإنسانية الآمنة، في وقت تتزايد فيه التحذيرات من كارثة إنسانية وشيكة تهدد حياة أكثر من مليون ونصف المليون نسمة.
"الوضع كارثي"
وفي السياق، وصف المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان محمد إبراهيم نكروما، في تصريح "للعربية.نت"/الحدث.نت، الوضع الإنساني في الفاشر ومحيطها بـ"الكارثي". وأشار مشيراً إلى أن المدينة تخضع لحصار خانق منذ أكثر من عام، تتخلله عمليات قصف شبه يومية، ما أدى إلى دمار واسع النطاق، وخروج عدد كبير من المستشفيات عن الخدمة، فضلاً عن إخلاء مراكز الإيواء.كما أوضح أن المعاركت أجبرت سكان الأحياء الشرقية من المدينة على النزوح نحو المناطق الغربية والجنوبية، لاسيما باتجاه معسكري زمزم وأبوشوك، وهما من أقدم معسكرات النزوح في دارفور، حيث أُنشئا في العام 2003.

من مخيم زمزم في الفاشر شمال دارفور - روينرز
لكن مع اشتداد المعارك الأخيرة، تضاعفت موجات النزوح، ليصل عدد النازحين في هذين المعسكرين إلى أكثر من 800 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، الذين خاضوا رحلات قاسية من الألم والمعاناة تفوق قدرة العقل على الاستيعاب، وتثقل القلب بالحزن.
ولفت نكروما إلى أن تجدد الاشتباكات داخل معسكر زمزم دفع العديد من السكان إلى النزوح مجدداً إلى داخل الفاشر، في رحلة معاناة جديدة يعيش فيها هؤلاء دون مأوى أو غذاء أو كساء، في ظل غياب أي دعم منظم، سوى بعض المبادرات الفردية وجهود التكايا والمطابخ المركزية التي باتت عاجزة عن تلبية احتياجات هذا الكم الهائل من النازحين.

كما أكد استمرار انعدام فرص إدخال المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية إلى المدينة، مع تدهور متسارع في الأوضاع المعيشية، محذراً من أن الفاشر تواجه "كارثة إنسانية حقيقية".
أما عن الوضع المعيشي، فقال نكروما إن الأسواق تشهد ارتفاعاً جنونياً في الأسعار، وتفاقماً في ندرة السلع الأساسية، موضحاً أن بعض المواد كالعدس والأرز والمعكرونة اختفت تماماً، رغم اعتماد التكايا الخيرية عليها كمصادر رئيسية للطعام. كما أكد أن أسعار السكر والبصل والحبوب كالذرة ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة.
نقابة الأطباء
بدورها، شددت الدكتورة أديبة إبراهيم السيد، عضو اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، على أن "الحصار ترك أثراً بالغ السلبية على مدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها"، مشيرة إلى موجات نزوح متزايدة باتجاه القرى المجاورة ومدينة كبكابية.كما أضافت في تصريحات للعربية.نت/الحدث.نت أن جميع المستشفيات توقفت عن تقديم خدماتها نتيجة لهجرة الكوادر الطبية، باستثناء مستشفى السلام والمستشفى السعودي، حيث يعمل عدد محدود من الأطباء المتطوعين ضمن خدمات الطوارئ.
وأوضحت أن المستشفيين يعانيان من شح حاد في الأدوية المنقذة للحياة، وانعدام شبه كامل للغذاء، وسط بيئة طبية منهكة وانتشار الأوبئة وسوء التغذية، ما أدى إلى تزايد حالات الوفاة، خاصة بين كبار السن والأطفال وذوي الإعاقة.

كذلك وصفت الوضع بـ"الكارثي، خصوصاً بعد المجزرة المروعة التي وقعت في معسكر زمزم وأودت بحياة عدد من المدنيين وتسعة من أفراد الطاقم الطبي. "
بدورها أصدرت نقابة الأطباء بياناً عاجلاً دعت فيه المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لحماية المدنيين في إقليم دارفور. واتهمت قوات الدعم السريع بالتورط في ارتكاب مجازر ضد المدنيين والأطباء بالفاشر.
مخيمات النزوح… مدن منسية
وتضم الفاشر عدداً من مخيمات النازحين، أبرزها "أبو شوك" و"زمزم"، والتي باتت عنواناً دائماً للأزمات الإنسانية. ومع تصاعد النزاع، تدهورت الأوضاع المعيشية في هذه المخيمات بشكل كبير.فيما أكدت منظمات دولية أن السكان يواجهون ظروفاً قاسية في مجالات الغذاء والرعاية الصحية والمأوى في ظل المذابح المتكررة في مدينة الفاشر.
ويستند اقتصاد المنطقة على الزراعة، لا سيما زراعة الدخن والسمسم، إلى جانب أسواقها الثلاثة المعروفة: السوق الكبير، سوق أم دفسو، وسوق المواشي.
لكن رغم الحصار والجوع والخراب، تبقى الفاشر شاهدة على قرون من التاريخ والثقافة.

من مخيم زمزم في الفاشر شمال دارفور - روينرز
سلطنة الفور… إرث لا يُنسى
يشار إلى أن الفاشر تقع غربي السودان على بعد ألف كلم تقريبًا عن العاصمة الخرطوم، وتتنوع جغرافيتها بين اراض صحراوية وشبه صحراوية وتلال منخفضة وكثبان رملية وتبلغ مساحتها نحو 24 ألف كلم مربع.كما كانت عاصمة سلطنة دارفور، التي تأسست في القرن الخامس عشر على يد السلطان سليمان أحمد، وتوسعت لتشمل أراضي شاسعة من غرب السودان. وفي عهد السلطان عبد الرحمن الرشيد، أصبحت الفاشر العاصمة الرسمية، وشهدت نهضة عمرانية وثقافية.
في حين تتضارب الروايات حول أصل تسمية "الفاشر"، إلا أن أغلب المؤرخين يرجعون الاسم إلى كلمة "الفاشِر"، وهي المجلس الذي يعقد فيه السلطان شؤونه ويدير فيه شؤون الحكم، إذ كان يُقال "السلطان ماشي الفاشر" أي ذاهب إلى مجلسه.

كما يُعتقد أن الكلمة تحوّلت بمرور الزمن إلى اسم المدينة التي احتضنت ذلك المجلس.
وهناك من يرى أن الاسم جاء من أسطورة محلية تتحدث عن ثورٍ يُدعى "فاشر"، دلّ الناس على مورد ماء في قلب الصحراء، فتحول إلى نواة لتجمّع سكاني ثم إلى حاضرة مزدهرة.
كذلك ينسب البعض اسم المدينة إلى الأمير زكريا، والد السلطان علي دينار، ويطلقون عليها "الفاشر أبو زكريا".
السلطان علي دينار
أما السلطان علي دينار، آخر حكام السلطنة، فقد اشتهر بدوره الديني والإنساني، إذ أنشأ مصنعاً لكسوة الكعبة في الفاشر، وأرسل المحمل سنوياً إلى الحجاز على مدى 20 عاماً .كما أمّن طرق الحجيج من غرب أفريقيا إلى مكة، وجدد مساجد تاريخية في المدينة المنورة، من بينها مسجد ذو الحليفة.
إلا أن انحيازه للدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى أثار غضب البريطانيين، فأرسلوا حملة عسكرية بقيادة الجنرال كيلي، انتهت بمقتله في معركة "برنجية" عام 1916، ليسدل الستار على واحدة من أعرق السلطانات الإسلامية في أفريقيا.
المصدر: https://www.alarabiya.net/arab-and-...صمة-السلاطين-الفاشر-تتأرجح-بين-الحياة-والموت-