المراسل الآلي
عضو مميز
- المشاركات
- 69,170
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
- الدولة


تعيش مدينة بورتسودان، لليوم الرابع على التوالي، تحت وطأة هجمات الطائرات المسيّرة، في تصعيد غير مسبوق يضع المدينة الساحلية، الآمنة سابقاً، في صدارة مشهد الحرب السودانية. هذا التحول الدراماتيكي من ملاذ بديل للسلطة إلى ساحة مواجهة مباشرة، يعكس انقلاباً حاداً في مسار الصراع حسب متابعين، وينذر بتمدده إلى الشرق السوداني، حيث المصالح الاقتصادية والمواقع الاستراتيجية الحساسة.
من ملاذ آمن إلى مرمى النيران
لم تكن بورتسودان، الواقعة على البحر الأحمر، محسوبة ضمن مناطق المواجهة في الحرب التي دخلت عامها الثالث. إلا أن استهدافها المتكرر، لا سيما للبُنى التحتية الحيوية، حوّلها إلى جبهة جديدة تهدّد بتوسيع رقعة النزاع، وتضع المدينة أمام اختبار مصيري يتجاوز الجغرافيا إلى إعادة تشكيل موازين السلطة والنفوذ في البلاد.
حين اخترقت المسيّرات سكون البحر الأحمر
وعلى مدى الأيام الأخيرة، اخترق هدير المسيّرات سكون بورتسودان، التي تحوّلت عقب انهيار سلطة الخرطوم إلى مقر مؤقت للحكومة السودانية وملاذ نسبي من جحيم المعارك. إلا أن الضربات الدقيقة التي استهدفت المطار والميناء ومنشآت الوقود بدّدت هذا الشعور بالأمان، لتكشف عن تصعيد جديد في مسار المواجهة.مفتاح البحر الأحمر.. في قبضة التصعيد
تتجاوز أهمية بورتسودان دورها كميناء رئيسي على البحر الأحمر، إذ تتموضع كعقدة استراتيجية ذات أبعاد إقليمية ودولية، نظراً لقربها من السعودية ومصر، وإشرافها على أحد أهم الممرات المائية العالمية. هذا الموقع الحيوي يجعلها محل أنظار قوى كبرى كروسيا وتركيا، ويمنحها تأثيراً محورياً في معادلات الطاقة والنقل والتوازن العسكري في الإقليم.شريان الحياة للدول الحبيسة تحت التهديد
ولا تقف الأهمية عند الجغرافيا، فبورتسودان تمثل كذلك المنفذ البحري الوحيد لعدد من الدول الإفريقية الحبيسة، مثل جنوب السودان وتشاد وإفريقيا الوسطى، ما يزيد من حساسية استهدافها عسكرياً ويعقّد تداعياته لوجستياً واقتصادياً.
بورتسودان
اقتصاد يتأرجح فوق حافة الحرب
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي هيثم محمد فتحي أن الاستقرار الأمني والسياسي يُعدّ مدخلاً رئيسياً لتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وأشار في حديثه لـ"العربية.نت" إلى أن بورتسودان، رغم كونها من أكثر المدن أمناً نسبياً، تضم منشآت حيوية كمطار السودان الرئيسي حالياً، ومقر القيادة العامة للجيش، والميناء البحري الاستراتيجي.ويحذّر فتحي من أن تصاعد التهديدات الأمنية في المدينة قد يعرقل حركة الملاحة الجوية والبحرية، ويؤثر سلباً على الإمدادات اللوجستية، كما ينعكس على صادرات وواردات البلاد، وسط استهداف مباشر لمخازن النفط ومحطات الكهرباء.
ويرجّح أن تكون هذه الهجمات، التي تُشنها قوات "الدعم السريع"، جزءاً من استراتيجية ضغط اقتصادي ممنهجة، تُضاف إلى عمليات نهب الموارد، وضرب المنشآت النفطية والمدنية، ما يُفاقم أزمة التضخم، ويُضعف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية.
نقطة نزوح جديدة
في ظل هذا التصعيد، بدأت مؤشرات نزوح عكسي من المدينة، التي كانت حتى وقت قريب ملاذاً للنازحين من الخرطوم. يقول الصحافي علي فارساب، الذي أقام لفترة طويلة في بورتسودان: "باتت المدينة تواجه تحديات مركبة، تتجاوز الأمن إلى ملفات الاقتصاد، والسياسة، والهوية".ويؤكد فارساب لـ"العربية.نت" أن استهداف منشآت الوقود، لا سيما بعد فقدان مستودعات استراتيجية في الجيلي شمال الخرطوم، والأبيض غرب السودان، تسبب في ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ودفع مستثمرين محليين إلى مغادرة المدينة، وسط مخاوف من تصعيد مستقبلي.

بورتسودان
عاصمة الظل.. في سباق مع الانهيار
إدارياً، تحذّر تقارير من احتمال فقدان بورتسودان لدورها المؤقت كعاصمة، مع تصاعد المخاطر الأمنية. ثمة حديث في أروقة الحكومة عن بحث بدائل، حال استمرار تدهور الأوضاع وخروج المدينة عن السيطرة.من سواكن إلى العالمية.. قصة منفذ استراتيجي
وتأسست بورتسودان أوائل القرن العشرين كبديل لميناء سواكن التاريخي، لتصبح المنفذ البحري الرئيسي للسودان. وتم اختيار موقعها بعناية، نظراً لعمق مياهها وصلتها بطريق التجارة العالمي. ويمر عبرها معظم واردات وصادرات البلاد، من الذهب والمعادن إلى الماشية والحبوب.تبعد المدينة نحو 675 كيلومتراً شرق الخرطوم، وكانت الوجهة المنطقية لإدارة الدولة بعد انهيار الأمن في العاصمة، ما منحها وزناً سياسياً جديداً لم يكن لها في العقود السابقة.
ما تبقّى من الجمال وسط الدمار
بعيداً عن الحرب، تحتفظ بورتسودان بجمال طبيعي فريد. شواطئها تُعد من الأنظف عالمياً، وتزخر بساحل غني بالشعاب المرجانية والكائنات البحرية النادرة. وتُعد محمية "سنقنيب" من أبرز معالمها، وقد أدرجتها اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي، لما تحتويه من تنوع بيئي فريد." مدينة الجمال.. لا للموت"
رغم كل ما تمر به، تبقى بورتسودان مدينة صامدة. بذاكرتها الحية وثقافتها الفريدة، تظل مصدر إلهام. أنجبت رموزاً في الفن والأدب والموسيقى، من الكابلي وبازرعة إلى مصطفى سيد أحمد. وأحياؤها ليست فقط أسماء على الخريطة، بل سجل حيّ للحكايات والبطولات.حتى الرياضة لم تغب عن هذه المدينة، حيث كانت من أولى المدن التي ركلت كرة القدم، وأسّست نادي حي العرب قبل قرن تقريباً.
ومن عشق الكرة إلى إرث البحّارة، تروي حكايات مدينة لا تستسلم. الصحافي فيصل محمد صالح يختصر المشهد بقوله: "بورتسودان لم تُخلق للحرب، بل للجمال والفرح والحياة". ورغم القصف والدخان، تظل المدينة تقاوم، بما بقي لها من بحر وتاريخ وأمل. ففي قلب العاصفة، تكتب بورتسودان سطوراً جديدة من الصمود، وتتمسك بموقعها كرمز حيّ لمستقبل لا يزال ممكناً.
المصدر: https://www.alarabiya.net/arab-and-...سودان-ارث-البح-ارة-وعاصمة-الظل-في-قلب-العاصفة