المراسل الآلي
عضو مميز
- المشاركات
- 76,781
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
- الدولة


مع اقتراب عيد الأضحى، تشهد أسواق الماشية في السودان ارتفاعا غير مسبوق في أسعار الأضاحي، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة وظروف أمنية متدهورة ألقت بظلالها على المواطنين، وجعلت من الأضحية حلمًا بعيد المنال لكثير من الأسر. هذه المفارقة تصبح أكثر وضوحا إذا ما تذكّرنا أن السودان، قبل اندلاع الحرب، كان يُصنّف من بين أكبر الدول امتلاكا للثروة الحيوانية في أفريقيا والعالم العربي، ويُصدّر أضحياته سنويا إلى دول الخليج ومصر، بل يُعتمد عليه في مواسم الهدي بالأراضي المقدسة.
ثروة حيوانية ضخمة.. وأسواق عاجزة
وفقا لإحصاءات رسمية سابقة للحرب، تقدر أعداد الثروة الحيوانية بنحو 103 ملايين رأس، إذ يبلغ عدد رؤوس الأغنام في السودان أكثر من 70 مليون رأس، بينها 33 مليون رأس من الماعز، إضافة إلى 30 مليون رأس من الأبقار، ونحو 3 ملايين رأس من الإبل. ورغم هذه الوفرة الهائلة، فإن الواقع اليوم يعكس انهيارا صادما في إمكانية الحصول على الأضحية، مع تجاوز أسعار بعض الخراف حاجز 1,200,000 جنيه سوداني (نحو 450 دولارا أميركيا) في العاصمة، أي ما يعادل قيمة سيارة مستعملة أو راتب موظف لعام كامل.
من 5
أم درمان.. الخروف بسعر خيالي
في سوق الماشية بمدينة أم درمان، إحدى أكبر مدن العاصمة الخرطوم، عُلِّقت على أحد الخراف ورقة كُتب عليها "850,000 جنيه فقط"، ما يعادل نحو 320 دولارا. الحاج علي، أحد المواطنين الذين كانوا يتجولون في السوق، عبّر عن أسفه قائلًا: "في السابق كنا نشتري الخروف ونقيم وليمة، أما الآن فنحسبها قرشاً قرشاً، وقد نعود إلى منازلنا بدون شيء".طقس ديني كان السودانيون لا يُفرّطون فيه
في السودان، لم تكن الأضحية مجرد واجب ديني، بل تقليد راسخ لا تتخلى عنه الأسر مهما كان مستواها المعيشي. كانت الأضحية تُمارس بروح جماعية واجتماعية.. كل بيت يضحي، وتتكفّل المؤسسات الرسمية والخاصة بتوفير الأضاحي للموظفين، إما كهبة أو عبر أنظمة تقسيط ميسرة، حتى الصحف اليومية كانت تعلن عروضا للأضاحي بالأقساط. غابت كل هذه المظاهر اليوم، مع تعمق الأزمة الاقتصادية واستفحال الحرب.تفاوت حاد في الأسعار بين الولايات
رغم أن الأسعار تتباين بين ولاية وأخرى، إلا أن القاسم المشترك بينها هو الغلاء، حيث تتراوح أسعار الخراف في نيالا بجنوب دارفور بين 100 و150 ألف جنيه، فيما تبلغ في العاصمة أكثر من 1.2 مليون جنيه. في الجزيرة، تراوحت بين 300 و900 ألف جنيه، بينما في الولاية الشمالية تبدأ من 300 ألف وتصل إلى أكثر من 700 ألف. في المقابل، تعتبر الأسعار في غرب كردفان "أكثر معقولية نسبيا"، حيث تتراوح بين 120 و250 ألف جنيه، لكنها رغم ذلك غير متاحة لمعظم المواطنين في ظل انعدام السيولة كما يؤكد أحمد سليمان أحد تجار الماشية في ولاية غرب كردفان لـ"العربية.نت".جذور الأزمة.. الحرب والفراغ المؤسسي
يرجع هذا الانفلات في الأسعار إلى عوامل مركبة، في مقدمتها استمرار الحرب، التي عطّلت سلاسل الإمداد، وأدت إلى تراجع الإنتاج الحيواني، وصعّبت عمليات الترحيل بفعل انعدام الوقود وتعدد الحواجز والجبايات المفروضة من القوى المتصارعة. كما فاقم غياب الدور الحكومي من فوضى الأسواق، وسط انعدام الرقابة وغياب سياسات الاستقرار الزراعي والبيطري.من جانبه يقول الدكتور الوليد علي، طبيب بيطري ومستشار في جودة الأعلاف لـ"العربية.نت": "السودان مهدد بفقدان موقعه الريادي في الأسواق الخليجية والإقليمية. توقف الصادرات، وتردي الخدمات البيطرية، وتدهور جودة الخراف، كلها أعراض لانهيار القطاع بسبب الحرب والفراغ التنظيمي". ويضيف: "لا يمكن إنقاذ هذا القطاع ما لم تتوقف الحرب وتُعاد هيكلة الأسواق وتُؤمَّن الطرق وتُوفَّر مدخلات الإنتاج".
موسم بلا أضاحٍ.. و"العيد بلا شواء"
رغم اختلاف الأسعار بين المناطق، فإن ضعف الإقبال يظل السمة الأبرز لهذا الموسم. تدنّي القوة الشرائية، وانعدام الأمان، واستمرار النزوح، كلها عوامل أضعفت الطلب. وأعرب عدد من التجار في أسواق أم درمان وود مدني عن خشيتهم من أن يكون هذا الموسم هو "الأضعف منذ سنوات".وقال أحد الشباب في أم درمان لـ"العربية.نت": "العيد بلا خروف يعني بلا لحم، بلا شواء، وبلا فرحة. الأمر ليس فقط طقسا دينيا، بل مناسبة اجتماعية متجذّرة في الوجدان السوداني، تتقاسم فيها الأسر الضحك والطعام والزيارات".
خاتمة.. لعنة الحرب تهدّد تقاليد عريقة
تحوّلت الأضحية في السودان من طقس راسخ إلى ترف لا يستطيع كثيرون مجاراته، رغم أن البلاد تجلس على واحدة من أكبر ثروات الماشية في المنطقة. مفارقة تعكس أثر الحرب والدمار، وتطرح سؤالا كبيرا عن مستقبل السودانيين في بلد غني بالموارد، فقير بالأمن والاستقرار.المصدر: https://www.alarabiya.net/arab-and-...ة-تحو-لت-الى-رفاهية-والاسواق-تعاني-من-الركود-